فصل: تاريخ علوم القرآن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدخل لدراسة القرآن الكريم



.لفظ القرآن علم شخصي:

وذهب المحققون من الأصوليين، والفقهاء، وأهل العربية: إلى أن لفظ القرآن علم شخصي مدلوله: الكلام المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة الناس وعلميته: باعتبار وضعه للنظم المخصوص، الذي لا يختلف باختلاف المتلفظين، ولا عبرة بتعدد القارئين والمحال.
وعلى هذا فما ذكره الأصوليون، وغيرهم من تعاريف للقرآن، ليس تعريفا حقيقيّا، لأن التعريف الحقيقي لا يكون إلا للأمور الكلية، وإنما أرادوا بتعريفه: تمييزه عما عداه مما لا يسمّى باسمه، كالتوراة والإنجيل، والأحاديث القدسية، وما نسخت تلاوته.

.لفظ القرآن أمر كلي:

ويرى بعض العلماء: أن لفظ القرآن موضوع للقدر المشترك بين الكل وأجزائه: فمسماه: كلي. كالمشترك المعنوي وعلى هذا يعرف بما عرّفه العلماء.

.القرآن مشترك لفظي:

ويرى فريق ثالث: أنه مشترك لفظي بين الكل وبين أجزائه، فهو موضوع لكل منهما بوضع.
والحق: أنه علم شخصي، مشترك لفظي بين الكل وأجزائه فيقال لمن قرأ اللفظ المنزل كله: قرأ قرآنا، ويقال لمن قرأ بعضه: قرأ قرآنا، وهو ما يفهم من كلام الفقهاء، حينما قالوا: يحرم على الجنب قراءة القرآن فإنهم يقصدون: قراءة كله أو بعضه على السواء.

.أسماء القرآن:

للقرآن الكريم أسماء كثيرة: أشهرها: القرآن ومنها الفرقان لأنه فارق بين الحق والباطل، قال تعالى: {تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً} [سورة الفرقان: 1].
ومنها: الكتاب وهو مصدر لكتب بمعنى: الجمع والضم، أريد به القرآن لجمعه العلوم والقصص والأخبار على أبلغ وجه، قال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً * قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً} [سورة الكهف: 1- 2].
ومنها: التنزيل، مصدر أريد به المنزل، لنزوله من عند الله، قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 41- 42]، وغيرها من الآيات كثير.
ومنها: الذكر سمي به القرآن، لاشتماله على المواعظ والزواجر، وقيل: لاشتماله على أخبار الأنبياء، والأمم الماضية، وقيل من الذكر، بمعنى: الشرف، قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} [سورة الزخرف: 44] أي شرف لأنه نزل بلغتكم، وقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ} [سورة الحجر: 9].
وهذه الأربعة هي أشهر الأسماء بعد لفظ القرآن، وقد صارت أعلاما بالغلبة على القرآن في لسان أهل الشرع وعرفهم.
وقد تسامح أبو المعالي عزيزي بن عبد الملك- المعروف بـ شيذلة في كتابه البرهان في مشكلات القرآن- في عد ما ليس باسم اسما، وبلغ بها خمسة وخمسين اسما وقد نقل ذلك عنه السيوطي في الإتقان ووافقه ثم شرع يوجه ما ذكره من الأسماء، وبلغ بها صاحب التبيان نيفا وتسعين اسما.
ومما ينبغي أن يتنبه إليه أن أغلب ما ذكروه أسماء للقرآن هو في الحقيقة أوصاف له، فمثلا: عدوا من الأسماء لفظ كريم أخذا من قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} [سورة الواقعة: 77]، ولفظ مبارك أخذا من قوله تعالى: {وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ} [الأنبياء: 5] مع أن الظاهر كونهما وصفين للقرآن لا اسمين.
كما أن في بعض ما عدوه اسما للقرآن بعدا وتكلّفا في أن المراد به القرآن وذلك مثل عدهم من الأسماء: مناديا، لقوله تعالى: {رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ} [آل عمران: 193]، ومثل عدهم من الأسماء:
زبورا، لقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105] مع أن الظاهر: والذي عليه جمهور المفسرين، أن المراد بالمنادى الرسول وبالزبور الكتاب المنزل على داود عليه السلام والذكر التوراة وقيل الزبور: جميع الكتب المنزلة، والذكر: اللوح المحفوظ، ويكون المراد بالزبور الوصفية لا العلميّة، فهو بمعنى المزبور أي المكتوب.

.علوم القرآن بالمعنى الإضافي:

والآن وقد وضح لنا المراد من كل طرفي المركب الإضافي يتبين لنا المراد من الإضافة التي بينهما، فهي تشير إلى كل المعارف والعلوم المتصلة بالقرآن، ومن ثمّ جمع لفظ علوم ولم يفرد، لأن المراد شمول كل علم يبحث في القرآن من أي ناحية من نواحيه المتعددة، فيشمل ذلك علم التفسير وعلم الرسم العثماني وعلم القراءات وعلم غريب القرآن وعلم إعجاز القرآن وعلم الناسخ والمنسوخ وعلم المحكم والمتشابه وعلم إعراب القرآن وعلم مجاز القرآن وعلم أمثال القرآن، إلى غير ذلك من العلوم الكثيرة التي توسع العلماء في بحثها، وأفردوا لها المؤلفات المتكاثرة.
ويكون موضوعه: هو القرآن الكريم من ناحية تفسيره، أو من حيث رسمه، أو من حيث طريقة أدائه، أو من حيث إعجازه، أو من حيث مجازه وهكذا فتأتي بأو التي تدل على أنها علوم متعددة.

.علوم القرآن بالمعنى اللقبي:

أي الفن المدوّن ثم اختصرت هذه المباحث والعلوم المتعددة، وجمعت جلّ أصولها ومسائلها في كتاب واحد، وصار هذا العنوان علوم القرآن علما ولقبا لهذه المباحث المدونة في موضع واحد، بعد أن كانت مبعثرة في عشرات الكتب، وصار علما واحدا بعد أن كان جملة من العلوم، وبذلك يمكننا أن نعرف هذا الفن بمعناه العلمي- بفتح العين واللام- بأنه: علم ذو مباحث، تتعلق بالقرآن الكريم من حيث نزوله وترتيبه وكتابته وجمعه وقراءاته وتفسيره وإعجازه، وناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه إلى غير ذلك من المباحث التي تذكر في هذا العلم.
وموضوع هذا العلم القرآن الكريم من هذه النواحي كلها السابقة في تعريفه، بخلاف علوم القرآن بالمعنى الإضافي، فإن موضوع كل علم منها إنما هو القرآن الكريم من هذه الناحية فحسب، فعلم التفسير مثلا؛ موضوعه: القرآن الكريم من حيث بيان شرحه ومعناه والمراد منه بقدر الطاقة البشرية.
وعلم القراءات موضوعه: القرآن الكريم من حيث لفظه وأدائه.
وعلم الرسم موضوعه: القرآن الكريم من حيث طريقة كتابته، وهكذا.
وعلى هذا نقول: موضوع علوم القرآن بمعناه العلمي هو القرآن الكريم من حيث جمعه، وتفسيره، ورسمه، وقراءاته، ومكيه ومدنيه وهكذا فنأتي بالواو ولا نأتي بأو.

.فائدة علوم القرآن:

وفائدة علوم القرآن:
(أ) إنه يساعد على دراسة القرآن الكريم وفهمه حق الفهم واستنباط الأحكام والآداب منه، إذ كيف يتأتى لدارس القرآن ومفسره أن يتوصل إلى إصابة الحق والصواب، وهو لا يعلم كيف نزل! ولا متى نزل! وعلى أي حال كان ترتيب سوره وآياته! وبأي شيء كان إعجازه! وكيف ثبت! وما هو ناسخه ومنسوخه!.. إلى غير ذلك مما يذكر في هذا الفن، وإلا كان عرضة للزلل والخطأ.
فهذا العلم بالنسبة للمفسر مفتاح له، ومثله مثل علوم الحديث بالنسبة لمن أراد أن يدرس الحديث دراسة حقة، وقد صرح بذلك الإمام السيوطي في مقدمة الإتقان حيث قال: ولقد كنت في زمان الطلب أتعجب من المتقدمين؛ إذ لم يدونوا كتابا في أنواع علوم القرآن كما وضعوا ذلك بالنسبة إلى علم الحديث.
(ب) إن الدارس لهذا العلم يتسلح بسلاح قوي حاد، ضد غارات أعداء الإسلام التي شنوها على القرآن الكريم زورا وبهتانا، واختلقوا عليه ما شاء لهم هواهم أن يختلقوا، ولا شك أن الدفاع عن القرآن- الذي هو أصل الإسلام- من أوجب الواجبات على الأمة الإسلامية، ولاسيما علماؤها وأهل الرأي فيها وإنه لشرف عظيم، وفضل كبير أن يكون المسلم منافحا عن هذا الكتاب الجليل.
(ج) إن الدارس لهذا العلم يكون على حظ كبير من العلم بالقرآن، وبما يشتمل عليه من أنواع العلوم والمعارف، ويحظى بثقافة عالية وواسعة فيما يتعلق بالقرآن الكريم، وإذا كانت العلوم ثقافة للعقول، وصلاحا للقلوب وتهذيبا للأخلاق، وإصلاحا للنفوس والأكوان، وعنوان التقدم والرقي، وباعثة للنهضات، ففي القمة- من كل ذلك- علوم القرآن.
فالقرآن أحسن الحديث، وأصدقه، وعلومه أشرف العلوم وأوجبها على كل مسلم أيّا كان تخصصه وأيّا كانت حرفته.

.تاريخ علوم القرآن:

.قبل عصر التدوين:

كان القرآن الكريم ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم متجمعا على حسب الوقائع والحوادث وحاجات الناس، وقد تكفل الله لنبيه أن يقرئه القرآن ويفهمه معناه، قال تعالى: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ} [القيامة: 16- 19] أي: جمعه في صدرك، وإثبات قراءته على لسانك، وبيان ما يخفى من معانيه، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم من القرآن وعلومه ما لا يعرفه أحد، وذلك بسبب الوحي والفيوضات الإلهية التي كانت تلقى في قلبه.
ثم بلّغ الرسول ما أنزل عليه لأصحابه فقرأه على مكث؛ ليحفظوا لفظه ويفهموا معناه، ويقفوا على أسراره، وشرحه لهم بأقواله وأفعاله وتقريراته وأخلاقه- أي بسنته الجامعة لكل ذلك- قال تعالى: {وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [سورة النحل: 44] وقال: {إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ...} الآية [سورة النساء: 105].